كتب ماجي موتيسي أن وفاة الرئيس الزامبي السابق إدغار لونغو يوم 5 يونيو تزامنت مع أزمة صامتة في المستشفيات العامة، إذ علّقت جمعية الأطباء المقيمين جميع الخدمات التطوعية احتجاجًا على إخفاق الحكومة في تلبية وعود سابقة تشمل توظيف كوادر جديدة، وصرف البدلات المتأخرة، وتسوية الترقيات.
هذا المشهد يعكس هشاشة مالية وبنيوية تتشاركها دول نامية عديدة، يقع جزء كبير منها تحت وطأة سلطة غامضة ومنحازة لوكالات التصنيف الائتماني العالمية.
أوضح أتلانتيك كاونسل أن زامبيا، مثل أكثر من خمسين دولة ذات دخل منخفض أو متوسط؛ تدفع حاليًا على خدمة الدين الخارجي أكثر مما تنفق على الصحة أو التعليم، وفق صندوق النقد الدولي.
وبحسب البنك الإفريقي للتنمية، تواجه 22 دولة إفريقية خطر التعثر أو تعيشه بالفعل. ولا يعود ذلك دائمًا لسوء الحوكمة فقط، بل أيضًا للتخفيضات الائتمانية التي يطبعها انحياز غربي، ما يترتب عليه أثمان إنسانية قاسية.
في عام 2023، قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الدول الإفريقية تدفع فوائد أعلى بـ1.5 نقطة مئوية من نظيراتها ذات المؤشرات الاقتصادية المماثلة، وهو فارق كلّف القارة أكثر من 75 مليار دولار، كان يمكن أن يُوجّه إلى المستشفيات والمدارس ومشاريع المناخ.
تجربة زامبيا تلخّص حجم الكارثة. بعد تعثرها في سداد 42.5 مليون دولار على سندات دولية في نوفمبر 2020، سارعت وكالتا "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" إلى خفض تصنيفها إلى "تعثّر مقيد" و"تعثّر انتقائي".
النتيجة كانت تضخُّمًا تجاوز 16%، وانهيار العملة إلى نصف قيمتها، وارتفاع البطالة إلى 13%، وقفز الدين العام من 62% إلى 103.5% من الناتج المحلي في عام واحد.
ورغم أن الخطاب الدولي صوّر الأزمة كفشل في الانضباط المالي، فإن جذورها تعود إلى اعتماد مفرط على النحاس، وتهميش تنويع الاقتصاد، والتعرض لصدمات الجائحة.
سعت لوساكا إلى صندوق النقد، فحصلت في أغسطس 2022 على تسهيل ائتماني بـ1.3 مليار دولار، لكنه جاء مشروطًا بإلغاء الدعم عن الوقود والأسمدة والبذور، وإزالة الإعفاءات الضريبية.
هذه السياسات زادت من معاناة الأسر، بينما بقي الإنفاق الصحي عند 8% فقط من الموازنة، أي أقل بكثير من تعهُّد "أبوجا" الذي ألزم الدول الإفريقية بتخصيص 15%.
وهكذا امتلأت المستشفيات بالمرضى وسط نقص في الأطباء والمعدات.
مع تدهور الخدمات، هاجر المئات من الكوادر الطبية.
وبحسب بيانات منتصف 2023، التحق أكثر من 700 زامبي بالعمل في هيئة الصحة البريطانية، نصفهم ممرضون، والبقية مساعدين للأطباء والقابلات.
هذه الهجرة نزفت من زامبيا خبرات ثمينة، وعكست انهيار الثقة بين المواطن والنظام الصحي.
ليست زامبيا حالة منفردة؛ ففي 2024 اعتُبرت 36 دولة منخفضة الدخل في أوضاع تعثُّر أو قريبة منها. وخلال عام 2021، بلغ العدد 40 دولة، وهو الأعلى تاريخيًا بفعل صدمات الجائحة واستجابة الدائنين الجامدة.
ومع رفض الدائنين الخواص، المحميين في الغالب بقوانين غربية، الانخراط في إعادة الهيكلة، استمرت الأولوية لأسواق المال على حساب احتياجات البشر.
لهذا تتصاعد الدعوات لإصلاح منظومة التصنيف السيادي.
وتبرز مبادرة التصنيف الائتماني الإفريقية، المدعومة من الأمم المتحدة وأفريكاتاليست، كأداة لتقديم تقييمات أكثر عدالة وتسهيل وصول الحكومات الإفريقية إلى التمويل بكلفة أقل.
كذلك يجري الدفع نحو إدماج مؤشرات تنموية ومخاطر مناخية في المنهجيات المعتمدة، بما يعكس الواقع الإفريقي بدل الاقتصار على مقاييس مالية ضيقة.
إلى جانب ذلك، يتيح الاتفاق القاري للتجارة الحرة (AfCFTA) فرصة لتغيير الصورة الائتمانية للقارة عبر دمج 1.4 مليار نسمة في سوق واحدة، وتعزيز التجارة البينية، وتنويع الصادرات، وبناء قدرة اقتصادية أكثر صلابة أمام تقلبات الأسواق العالمية.
التكامل الإقليمي بهذا الحجم يوفر هوامش مالية أقوى ويقلّص الاعتماد على المقرضين الخارجيين.
المسألة تتجاوز الأرقام. كل خفض للتصنيف يترجم إلى رفوف صيدليات فارغة في لوساكا، ومدارس غير مكتملة في ندولا، وأطباء يهاجرون إلى لندن بدل البقاء في كيتوي.
وراء كل مؤشر عائلات تكافح من أجل الغذاء، ومرضى يُعادون من أبواب المستشفيات، وأطفال يُحرَمون من التعليم.
إذا أراد النظام المالي العالمي خدمة التنمية بدل عرقلتها، يصبح إصلاح التصنيف الائتماني ضرورة أخلاقية.
ويتطلب ذلك استثمار الحكومات في بيانات ومؤسسات أقوى، وانفتاح وكالات التصنيف على حوار شفاف مع وزارات المالية والهيئات الإقليمية، واعتماد منهجيات تراعي الهشاشة الهيكلية وجهود الإصلاح.
كما يتعين على المجتمع الدولي التعامل مع هذه القضية كأولوية إنسانية لا تقل إلحاحًا عن أزمات المناخ والصحة.
في النهاية، يذكّر موتيسي أن كل تصنيف لا يحكي مجرد أرقام، بل قصص بشر في إفريقيا يناضلون من أجل الصحة، والكرامة، والفرص.